فتح الاندلس على يد طارق بن زياد عام 92 هجري

قبل نهاية عهد عبد الملك ابن مروان تولى موسي بن نصير ولاية أفريقية واستمر فيها حتى استلم الوليد بن عبد الملك الخلافة من بعده، ومن هنا انطلقت الحملات حتي يتم فتح الاندلس، فكيف تم ذلك؟ هذا ما سنعرفه اليوم في تلك المقالة.

فتح الاندلس على يد طارق بن زياد عام 92 هجري

في شبه الجزيرة الأيبيرية كانت تتواجد مملكة القوط الغربيين وكانوا على الديانة النصرانية. وفي عام الواحد وال90 للهجرة توفي ملكهم غيطشة ويرجح أن اغتيل على يد أحد النبلاء ويدعى لذريق ومع وفاته نشب صراع داخلي على أحقية ارتقاء عرش مملكة القوط بين أخيلا بن غيطشة ولذريق ،

فاستولى أخيلا على شمال شرق البلاد، ونصب نفسه ملكا عليها، بينما استولى لذريق على بقية المملكة، وأصبحت البلاد على شفير حرب أهلية.

أما في إفريقيا، كان بن نصير يعمل على ضبط الأمور، وعمل جاهدا على تثبيت الإيمان في قلوب البربر، وعلمهم القرآن والشرائع الإسلامية، حتى أصبح البربر في تلك الديار من أخلص الناس للإسلام، والدعوة إليه، واستطاع على مدى فترة من الزمن بسيطة في شمال إفريقية، من برقة إلى الشمال الأطلسي،

باستثناء مدينة سبتة التي بقي عليها يوليان والي مملكة القوط، ولم تكن علاقته جيدة مع لذريق، فكان جاهزا لتقديم العون للمسلمين.

لم يغفل المسلمون عن هذه الصراعات الداخلية القائمة، فكان موسى بن نصير يتحين اللحظة المناسبة للانقضاض على مملكة القوط، فاستأذن الخليفة الوليد بن عبد الملك وشرعا يخططان لغز مملكة القتل الغربية.

ولما تهيئة الظروف التي تسمح بهذا الفتح وازدياد الصراع في مملكة القوط، أرسل موسى بن نصير في أولى محاولاتها لاستكشاف المنطقة طريف بن مالك على رأس 400 رجل و100 فارس في أربع سفن أعدها يوليان للإغارة على الشواطئ الأندلسية المقابلة وذلك في شهر رمضان للعام وال91 للهجرة.

أكدت هذه الحملة على صدق يوليان بعرضه المساعدة، وكشفت عن ضعف المقاومة في الأندلس، وتكللت الحملة الاستطلاعية بالنجاح، واقتنع موسى بن نصير بسهولة لعبور والنزول على الشاطئ دونما أخطار بحرية جدية

ونتيجة لذلك قرر البدء بتنفيذ عمليات فتح الأندلس..

وفي 5 من رجب للعام ل92 للهجرة، عبر الجيش الأموي المؤلف من 7000 مقاتل، معظمهم من البربر بقيادة القائد البربري المسلم طارق بن زياد، عبر المضيق الذي حمل اسمه منذ ذلك الحين، وعرف بمضيق جبل طارق،

نزل طارق بن زياد في شبه الجزيرة الأيبيرية، دون أن يلاقي مقاومة. ونزل في مدينة الجزيرة الخضراء، ففتحها، وبث السرايا في البلاد، و وضع خطة لتأمين ظهر جيشه، فأخضع جنوب البلاد لسلطته.

ولما صار جالي مراد الأمويين من هذه الحملة وأنها ليست كغيرها من الغارات صار لزاما على لذريق التصدي للخطر الإسلامي الذي يهدد مملكته.

وصلت هذه الأخبار الي لذريق عندما كان في الشمال، يقوم بإخماد إحدى الثورات في إقليم الباسك، فعقد صلح مع أخصامه من أبناء غيطشة وساروا معا من أجل صد الجيوش الإسلامي عليهم، وعرجوا على العاصمة طليطلة لحشد جيش ضخم من أجل مجابهة المسلمين.

علمة طارق بتقدم الجيش النصراني الضخم باتجاه، فطلب من موسي بنصير المدد، فأمده ب5000 جندي، وتحضر للمسير باتجاه قرطبة، فسار شمالا وعسكر حول بحيرة لا خاندا الواقعة في قرية تدعى لكة،

فاتخذ مكان استراتيجيا مدروسا على أرض مرتفعة نسبيا ما سمح له بإلقاء نظرة على ميدان المعركة ودراستها جيدا .

وصل جيش القوط، وعلى رأسهم لذريق، وفاقت أعدادهم، بأضعاف عدد جيش المسلمين المقدر ب12,000 مقاتل. فتذكر المصادر تعداد جيش القوط انه كان 30,000 مقاتل على اقل تقدير.

يتألف جيش المسلمين من الخيالة في معظمها، وتحلو بروح معنوية عالية بعد الانتصارات المتتالية التي حققها يضاف إلى ذلك الإيمان العقائدي عند المسلمين بتحقيق النصر، بالإضافة إلى الخبرة القتالية التي امتلكوها من معاركهم السابقة.

بينما في الجانب الآخر، كان الجيش القوطي كتير يتمتع بالميزة العددية، إلا أن جيشه مكان ممزوجا بين مقاتلين كفؤ وآخرين بلا خبرة قتالية زوجوا في المعركة قصرا، وكان ولاء القوات مشكوكا فيه كونه مكونا من جيشين لملكين يتنازعان على السلطة.

انتظر تعليق ابن زياد على القمة التي تتمركز فيها، وأمر جنده بالالتزام بمواقعهم، أدرك لذريق أفضلية تتمركز طارق بن زياد في أعلى التلة، فراح يبعث الفرق العسكرية لاستدراج المسلمين للتخلي عن مواقعهم، الا أن المسلمين ثبتوا وباءت محاولات لذريق بالفشل.

وبعد سبعة أيام من المحاولات الفاشلة، نفذ صبر لذريق وزين التفوق العددي النصر في عينيه، واقتنع بأنه قادر على الانتصار حتى لو كلفه ذلك بعض الخسائر الإضافية، وأمر بالزحف العام باتجاه المسلمين.

ولما اقترب الجيش القوطي من المسلمين، تباطأ الجناحان الذين كان تحت قيادة أبناء غيطشة، وهما على خلاف مع لذريق، ولم يستطع لذريق التوقف، لأن جيشه قد اشترك بالقتال مع المسلمين.

وقعت الخيانة في جيش لو فريق، وتشير بعض الروايات أن لطارق بن زياد يد في ذلك.

استبسل قوات لذريق وصمدوا لبعض الوقت أمام المسلمين، ولكن لما تيقن طارق بن زياد من ابتعاد الجيش الذي خان لذريق أمر الجناحين بإطباق فكي الكماشة على الجيش القوطي، فأحاطوهم من جميع الجهات، وتمكنوا من القضاء عليهم كليا بمن فهم القائد لذريق .

نتائج فتح الاندلس وانتصار معركة وادي لكة

انتهت معركة وادي لكة بخسائر بشرية كبيرة في صفوف القوط، بينما لم يخسر المسلمون سوى بضعة رجال وسطرت هذه المعركة في التاريخ لأنها كانت البوابة لانطلاق حضارة ستستمر ثمانية قرون و ستغير وجه قارة بأكملها وهي أوروبا من التخلف نحو التحضر

مع هذا الانتصار لم يبقى أي جيشنا باستطاعته الوقوف في طريق المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية وشن طارق بن زياد هجماته في جميع أنحاء المملكة القوطية الضعيفة الهشة المتهالكة، حتى لا يتيح للجيش القوطي فرصة لإعادة التنظيم والتجمع،

فبدأ ما يمكن تسميته بحرب المدن، وسقطت المدن واحدة تلو الأخرى حتى سقطت للعاصمة طليلة في غضون أشهر قليلة، ومع هذا السقوط المدوي للمملكة القوطية، وعدم قدرتها على النهوض، كان لا بد من تسديد الضربة القاضية لها،

فأتى موسى بن نصير بنفسه على رأس جيش من 18,000 مقاتل، وانضم لحملات الفتح، ونزل في شبه الجزيرة الأيبيرية في رمضان من العام وال93 للهجرة.

استمرت حملات الفتوح لمدة سبع سنين، وتعاقب عليها ثلاثة خلفاء وهما الوليد بن عبد الملك المتوفى عام 96 للهجرة، وسليمان بن عبد الملك المتوفي عام 99 للهجرة، و عمر بن عبد العزيز المتوفي عام 101 للهجرة حين توقفت في عهده الفتوحات الإسلامية.

إذا انطويت صفحة العهد القوطي نهائيا في البلاد، وافتتحت صفحة العهد الإسلامي فيها، وخضعت أيبيريا كلها، وقسم من جنوب فرنسا لحكم المسلمين، باستثناء منطقة جليقية في الشمال الغربي، حيث ظلت منيعة، وشكلت مركز الانطلاق الهجمات القوطية لمحاولة طرد المسلمين من البلاد.

يتفق المؤرخون والباحثون أن فتح الاندلس او الفتح الإسلامي للأندلس كان خيرا على تلك البلاد إذا تشلها من الفوضى والتنازع السياسي، وأحدث فيها ثورة اجتماعية وقضى على مساوئ العهد القوطي التي كانت البلاد ترزح تحتها منذ عدة قرون.