انتهينا في المقالة السابقة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصة حياة النبي محمد قبل البعثة عند وفاة والدته آمنة بن وهب وجده عبد المطلب بن هاشم ورعاية عمه أبي طالب له صلى الله عليه وسلم وعمله في رعاية الأغنام وبعدها في اتجار ومشاركته في حرب الفجار دعماً لأعمامه
ومشاركته في حلف الفضول الذي أكد على نجدة المظلوم ومحاربة الظالم مهما كان وفي هذه المقالة سنتعرف على كيف كان حال الرسول عليه الصلاة والسلام قبل بعثته تابعونا للنهاية
قصة حياة النبي محمد قبل البعثة
كيف كانت حياة النبي محمد قبل البعثة
عصم الله عز وجل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم قبل بعثته من الكفر والكبائر معا ففي الجاهلية كان هناك أناس كرام وأشخاص أوفياء وأشخاص بتعد عن الفواحش والمكرهات واشخاص اتسموا بالعفة لكن النبي عليه الصلاة والسلام جمع كل هذه الصفات بشخص واحد
فكان صادق الإيمان عقيدته خالية من الشوائب فلم يسجد لصن من قط وقال ابن هشام في السيرة النبوية فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يكلأه ويحفظه ويحطه من أقدار الجاهلية لما يريد به من كرامته ورسالته
حتى بلغ أن كان أفضل قومه مروأة وأحسنهم خلقا وأكرمهم حسبا وأحسنهم جوارا وأعظمهم حلما وأصدقهم حديثا وأعظمهم أمانا وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال حتى سم في قومه الأمين
لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة وقد شهد له بذلك ألد أعدائه أن النضر بن الحارث الذي قتل يوم بدر كافرة قال قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانا حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر
وقد قال ذلك في معرض محاولة قريش الاتفاق على ما يقولونه للعرب الذين يحضرون الموسم في النبي صلى الله عليه وسلم حتى يشوهوا صورته أمامهم فلا يؤمن بما جاء به
ولما سأله هرقل ملك الروم أبا سفيان قبل إسلامه قائلا هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال أي دعوته لقومه قال لا فقال هرقل ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله
وقد كانت حياة النبي محمد قبل البعثة حياة شريفة لم يكن فيها أي زلت عندما كان شابا بالرغم من أنه عاش في حياة الجاهلية إلا أنه لم يدنس نفسه بعادات الجاهلية على الإطلاق فلم يسجد صلى الله عليه وسلم لصنم حتى قبل الدعوة وقبل البعثة النبوية
فعندما قابل رسول الله مع عمه أبي طالب بحيره الراهب الذي روين قصته مع رسول الله في المقالة السابقة قابله في الشام قال الراهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك بحق اللات والعزي إلا أخبرتني عن ما أسألك عنه
وكان بحيره سمع قوم رسول الله يحلفون بهما فقال له النبي لا تسألني بحق اللات والعزي شيئا فوالله ما أبغض أشيئا قط بغضهما
أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فقط يرفض السجود أو الركوع لصنم بل كان يبغضهم
فخلال سنوات التي عاشها رسول الله عليه وسلم في مكة لم يطمئن قلبه لعبادة الأصنام على الإطلاق ولم يتخذها ليوم واحد آلهة ولم ينغمس في مظاهر الفسق والفجور التي كانت شائعة في الجاهلية بل كان يعتزل قومه في غار حراء ليذكر الله عز وجل ويفكر في عظمة الأكوان وخالقها الذي ابتدعها وزينها وسخرها لعباده
نزه الله عز وجل عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم قبل بعثه عن أمور الجاهلية فلم يشرب الخمر أو يعاشر النساء ولا كان يلعب الميسر أي القمار كما كان معظم أهل الجاهلية يلعبون
بالإضافة إلى امتناعه عن الانغماس في الشهوات فقد عرف بالأمانة وكان الجميع يأتمنه على أسرارهم وعلى ودائعهم وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعطف على الفقراء ويكرم الضيوف ويصل الرحيم ويعين الضعفاء من الناس ويكرم البائسين ويخفف عن المكروبين
وما يثبت ذلك أنه لما نزلت عليه نبوه وسته زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقالت له القول الشهير ما كان الله ليخزيك أبدا إنك لتصل الرحيم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائم الحق
وقد قيل أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسمع أو يشاهد الأعراس في صباه يوم أن كان يرعي الغنم مثله مثل أقرانه
وقد ورد أيضا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتعرى وهو فتي ينقل مع أقرانه حجارة يلعبون بها وقد رفعوا أزرهم أي ملابسهم
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رفض رفع ملابسه وهو رجل عندما جددت قريش بناء بيت الله الحرام فقد اشترك مع عمه العباس في نقل الحجارة فاقترح عليه العباس رضي الله عن أن يرفع ملابسه ويجعلها على رقبته ليقيه أثر الحجارة ما دام بعيدا عن الناس
فلما فعل عليه صلوات الله سقط على الأرض مغشيا عليه فلما أفاق طلب أن يشدوا عليه إزاره وكان عمره حين تجديد بناء الكعبة خمسا وثلاثين سنة ولم يكن التعري مستنكرا عند العرب في ذلك الوقت فقد كانوا يطفون بالبيت العتيق عراه إلا أبناء قبيلة قريش لأنهم من الأشراف ومن أسياد مكة
كما أن تعرى في الطواف استمر حتى منعهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمره الذي بلغه أبو بكر الصديق في حج السنة التاسعة من الهجرة عندما أعلن أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان
ومن المواقف التي تثبت ذكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفطنة أنه في أحد الأيام اختلفت قبائل مكة في من يضع الحجر الأسود مكانه بعدما أعاد بناء وترميم بيت الله الحرام وانشب خلاف كبير بينهم كاد أن يصل إلى حد الحرب وظل الخلاف قائما بينهم لأيام
إلا أنهم اتفقوا على أن يحكم أول رجل يدخل عليهم البيت الحرام فدخل رسول الله ففرحوا عند رؤيته عليه الصلاة والسلام لإجماعهم على أنه صادق أمين
فكانت رجاحة عقل رسول الله في حل النزاع فقد طلب منهم وضع الحجر الأسود في رداء ثم يحمل هذا الرداء شاب من كل قبيلة ففعل ذلك ولم اقتربوا حمله النبي بيديه الشريفتين ووضعه في مكانه وهذه الحادثة فيها إشارة قوية على حكمته وتميزه وأنه ذو شأن عظيم
وقد ذكر عبد الله بن السائب المخزومي وهو شاهد عيان اشترك في بناء الكعبة يومئذ ذكر بأن قريشا قالت لما دخل النبي من باب بني شيبة أتاكم الأمين مما يبرز مكانته في قومه قبيلة بعثته عليه الصلاة والسلام
لتكون حادثة الحجر الأسود ثالث حادثة تشير لنبوة الرسول بعد شق صدره الشريف عليه الصلاة والسلام وبعد حديث الراهب بحيرة الذي أخبر أبا طالب بأن ابن أخاه نبي
وورد أيضا عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته خالف قومه القريشيين من خلال وقوفه بعرفة فقد كانت قريش تفيض من مزدلفة على حين يفيض بقية الناس من عرفة وتعلل القريش ذلك بأنها أهل الحرام
أما رسول الله فكان يقف بعرفة فلما رأه جبير بن مطعم واقفا بعرفة قال هذا والله من الحمس أي قريشي فما شأنه هاهنا
وهذا من توفيق الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، فقد كان يستمسك بإرث إبراهيم وإسماعيل في حجهم ومناكحهم وبيوعهم.
وهناك قصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتحدث عن حاله مع وثنية قومه وعبادتهم للأصنام، فقد كان يطوف في أحد الأيام بالبيت العتيق مع مولاه أي خادمه زيد بن حارثة، فلمس زيد بعض الأصنام، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك،
ثم عاد زيد بن حارث للمسها ليتأكد من الأمر، فنهاه ثانية، فانتهى حتى كانت البعثة، وقد حلف زيد بأن رسول الله ما مس منها صنما حتى أكرمه الله بالوحي،
فخلال سنوات التي عاشها رسول الله عليه الصلاة والسلام في مكة، لم يطمئن قلبه لعبادة الأصنام على الإطلاق، ولم يتخذها ليوم واحد آله، ولم ينغمس في مظاهر الفسق والفجور التي كانت شائعة في الجاهلية بل كان يعتزل قومه في غار حراء ليذكر الله تعالي ويذكر قومه بعظمى خلقه،
وقبل بعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم أيضا ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التقى بزيد بن عمر بن نفيل، وهو أحد أشهر الموحدين في الجاهلية، والذي جاء من نسله، سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة،
روي بخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما،(لقيتُ زيدَ بنَ عمرِو بنِ نُفَيلٍ بأسفلِ بَلْدَحٍ وذلك قبل أن ينزلَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الوحيُ فقدَّم إليه سفرةً فيها لحمٌ فأبَى أن يأكلَ
وقال إنِّي لا آكلُ ممَّا تذبحون على أنصابِكم ولا آكلُ إلَّا ممَّا ذُكر اسمُ اللهِ عليه وكان زيدٌ يصلِّي إلى الكعبةِ وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ بعد ذلك فيه يُبعثُ أمَّةً وحدَه يومَ القيامةِ) مصدر الحديث تاريخ دمشق لابن عساكر
وأن زيد بن عمر كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول، الشات خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله، إنكارا لذلك، وإعظاما له،
وقد بين الشراح بهذه المناسبة أن النبي ما كان يأكل ما يذبح على النصب، والنصب هي حجارة حول الكعبة، كان العرب في جاهليتهم يذبحون عندها، ويشرحون اللحمة ويضعونه عليها، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع،
وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله تعالى، لأنها من الشرك الذي حرمه الله ورسوله،
الدروس المستفادة من قصة حياة الرسول محمد قبل البعثة
وفي النهاية، هناك الكثير من الدروس المستفادة من قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وكيف كانت حياته وعلاقاته الاجتماعية، ومواقفه مع أقرانه وأقاربه، فقد كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، مثل أخلاقه بعدها،
فقد ألق الله عز وجل الإسلام في قلبه صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه، حاملاً لرايته، وهو درس لكل ذي عقل بأن الله تعالى يحمي أنبياءه من الوقوع في أي أخطاء حتى قبل أن يبعثهم، ليكون منزهين عن كل أخطاء بني آدم
وفي نهاية هناك الكثير من الدروس المستفادة من هذا الجزء من سيرة النبي عليه الصلاة وسلام، دمتم في رعاية الله وأمنه .